کد مطلب:142620 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:282

للأمام الطبری
هو أبوجعفر محمد بن جریر الطبری، كان مولده فی سنة أربع و عشرین و مائتین، و كان أسمر أعین ملیحا وجهه مدیدة قامته، ذرب اللسان فصیح البیان، جمع الكثیر و حصل الجم الغفیر، و رحل الی آفاق بعیدة فی طلب الحدیث، و له تفسیر كامل فرید لا نظیر له.

و قد روی أن الطبری رحمه الله مكث أربعین سنة یكتب كل یوم أربعین ورقة. قال الخطیب البغدادی: استوطن ابن جریر بغداد و أقام بها الی حین وفاته و كان من أكابر العلماء و الأئمة، ثم یقول: - و كان قد جمع من العلوم ما لم یشاركه فیه أحد من أهل عصره، و كان حافظا لكتاب الله عارفا بالقراءات كلها، بصیرا بالمعانی، فقیها فی الأحكام، عالما بالسنن و طرقها، و صحیحها و سقیمها، و ناسخها و منسوخها، عارفا بأقوال الصحابة و التابعین و من بعدهم.

و للامام الطبری كتابه القیم التاریخ الطبری الذی سرد فیه تاریخ الأمم و الملوك و كتابه فی التفسیر لم یصنف أحد مثله و قد أجمع العلماء أنه لم یسبقه أحد فیه، لقوة مادته و شموخ بنائه.

و له كتاب اسمه: تهذیب الآثار یقول فیه ابن كثیر: لم أر سواه فی


معناه [1] الا أنه لم یتمه. كما أن لابن جریر كثیر من المصنفات فی أصول الفقه و تفرد بآراء و مسائل أثرت عنه و حفظت له، و أبوبكر الخوارزمی الشاعر المشهور ابن أخته [2] .

و قد روی الخطیب عن امام الأئمة أبی بكر بن خزیمة أنه طالع تفسیر محمد بن جریر الطبری فی ستین من أوله الی آخره ثم قال «ما أعلم علی أدیم الأرض أعلم من ابن جریر» [3] ا. ه.

و قد شهد كثیر من الناس له بالزهد و الورع و التقوی و العبادة، و القوة فی الحق لا تأخذه فیه لومة لائم، و شهد له بأنه من كبار الأئمة الصالحین العارفین، و قد طلب من الخلیفة المقتدر أن یأمر الشرطة أن یمنعوا السؤال یوم الجمعة فلا یدخلوا الی مقصورة الجامع فنفذ الخلیفة له ما طلب و أمر بذلك من فوره.

و كان الامام أبوجعفر محمد بن جریر الطبری ینفق علی نفسه و بیته من فعل قریة بطبرستان تركها أبوه له.

و قد جاوز الامام الثمانین من عمره بخمس سنین أو ست سنین حسب بعض الأقوال، و كان كثیر سواد شعر الرأس و اللحیة، و قد توفی وقت المغرب عشیة یوم الأحد لیومین بقیا من شوال من سنة عشر و ثلثمائة [4] و قیل توفی یوم السبت آخر النهار فی السادس و العشرین من شوال. [5] .


و دفن الطبری فی بیته، نزولا علی اكراه الجهلة و الرعاع من الحنابله، الذین افتروا علیه و نسبوه الی الرفض زورا و بهتانا و احتدوا علیه حیا و لم یصفحوا عنه میتا، اذ منعوا و رفضوا دفنه نهارا فی مقابرهم، و قد بلغ بالجهلة الأمر الی أن رموه بالالحاد، و حاشاه من ذلك كله و هو الامام العالم العامل بعلمه یتیم عصره و فرید أترابه، و الذی قال فیه قاضی القضاة ابن خلكان (تاریخه أصح التواریخ و أثبتها). ه.

و لعل ثمة سرا وراء هذا التهویل و تلك الحملة الهوجاء الرعناء التی شنها علی الطبری خصومه، فان الدافع الی ذلك و الذی أوقد نار هذه الفتنة و أسعر حزامها هو أبوبكر محمد بن داود الفقیه الظاهری حیث تكلم فی الرجل و رماه بالعظائم و الرقص.

و لعن الله الحرص و الحقد، و قاتل الله السخیمة و قبح الله من أیقظ الفتنة، فان لها كثیرا من الضحایا الأبریاء الشرفاء فی كل عصر و مصر و لم تمنع هذه الافتراءات تقدیر الناس و الخلصاء و الصالحین لأبی جعفر محمد بن جریر الطبری فقد ورد أنه لما توفی هرع الناس من سائر أقطار بغداد وصلوا علیه بداره أرسالا ثم دفنوه بها.

و لیس هذا فحسب انما یروی لنا ابن كثیر فی تاریخه المشهور أن الناس كانوا بل ظلوا یترددون علی قبره شهورا یصلون علیه بكرامته و علمه و فقهه الذی طبق الآفاق.

و فیه یقول القاضی ابن العربی صاحب أحكام القرآن و مصنف كتاب (العواصم من القواصم) أه. ص 248: -

«انما ذكرت لكم هذا لتحترزوا من الخلق - المنافقین و الملحدة و الجهلة - و خاصة من المفسرین و المؤرخین، و أهل الآداب، بأنهم أهل جهالة بحرمات الدین، أو علی بدعة مصرین، فلا تبالوا بما رووا، و لا تقبلوا روایة الا عن أئمة الحدیث، و لا تسمعوا لمؤرخ كلاما الا للطبری، و غیر ذلك هو الموت الأحمر، و الداء الأكبر».


و هذه شهادة من القاضی ابن العربی لها قیمتها، و هل یقدر الرجال و یقیم شخصیاتهم، و هل یعرف فضائل الرجال و أقدارهم الا الرجال و لا یعرف الفضل لأولی الفضل الا ذوو الفضل.

رحم الله الامام أباجعفر محمد بن جریر الطبری، و جزاه عنا و عن الاسلام خیرا و الحقنا به فی دار كرامته و جمعنا و ایاه و الصالحین فی سوق الجنة.

القاهرة فی شوال سنة 1404 ه یولیو سنة 1984 م.

السید الجمیلی



[1] البداية و النهاية لابن كثير (145: 11) ط. دار الفكر العربي.

[2] و فيات الأعيان لابن خلكان (332: 3) ط. السعادة.

[3] البداية و النهاية (146: 11).

[4] المرجع السابق نفس الصفحة، و مروج الذهب للمسعودي (308: 4) بتحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد. ط. دار المعرفة بتصرف.

[5] و فيات الأعيان لأبن خلكان (332: 3) ط. السعادة بتحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد.

و أرجو مراجعة ترجمة الامام محمد بن جرير الطبري في ارشاد الأريب (423: 6) و تذكرة الحفاظ للذهبي (351: 2) و الوفيات لابن خلكان (456: 1) و طبقات السبكي (140 - 135: 2) و مفتاح السعادة (205: 1) و ما بعدها و تاريخ حكماء الاسلام (29) و ميزان الاعتدال (35: 3) و لسان الميزان (100: 5) و كشف الظنون (437) و تاريخ بغداد (162: 2).